الجمعة، ٢٨ ديسمبر ٢٠٠٧

محاولة للهضم

يستطيع المرء أن يكون ما يشاء بالصبر والارادة.. ولكن أن يكون عبدا مستعبدا لفكرة أنانية ..غوغائية..معطيا لعقله اجازة مفتوحة وهو يحمل لقب دكتوراة , فهذا الغريب المستغرب في زمن لم يعد فيه أي شيء غريبا.


 صاحبنا الذي نلقي عليه الضوء هذه المرة في محاولة لهضمه قبل فهمه هو وزير سابق في العهد المملوكي

.. تحول في حرب القبائل الفضائية الى وجه تلفزيوني من نوعية "بص ..شوف" في قناة شتائمية ..تحريضية.. مسدودة حصريا على لون واحد واعلام واحد وفكرة واحدة..!!

 صاحبنا..يقدم برنامجا طويلا مملا يثير التثاؤب و ينصح به الاطباء لمن يعانون الارق وقلة النوم ..

 وهو يشوح بيديه وربما برجليه أكثر مما يتكلم ..هذا عدا استغلاله لمهاراته الفذة في توظيف حواجب عينيه كما يفعل عادة محقق قناة الجزيرة العقيدأحمد منصور..!!  وزم شفتيه كما يفعل السوبر جنرال جمال ريان..في حصاده اليومي!!

 وهو للحقيقة وعند اغلاق الصوت تماما وتأمل الحركات فقط يبدو حالة كاريكاتورية غاية في الاضحاك تفوق قدرات اسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي وفؤاد المهندس مجتمعة ،

يظهركنسخة متكلفة باهتة من كل أولئك وخاصة عندما يختم المهرجان بتقليد فاضح لمحمد حسنين هيكل ..!! 

اشفقت عليه وهو لا يشفق على نفسه..

 أحاول أن أفهمه..فيحار الفهم مغتاظا من طول بالي وسعة صدري

.. أحاول أن اهضمه فأصاب بعسر هضم وامساك عن مشاهدة التلفزيون يومين متتاليين..!! مال هذا وللسياسة..؟!!

 يبرم ساعة أو ساعتين ويقلب الاوراق ويطويها ويلبس النظارات ويخلعها مائة مرة ليقول لنا في النهاية..أن مانحن فيه لا أحلى ولا أروع..!!

هو يصدق نفسه الى درجة الاندماج الكلي في الدور..!!

طيب ياسيدي..

هات..اطربنا..اشجينا .. عوضنا عن غياب الست في وصلة لا أول لها ولا آخر..كلها تختصر في تأكيدعبادة صنم سياسي معجون من اربعة حروف..!!

حاولت على مدى دقيقتين كاملتين من الرغي واللف والدوران الحصول على جملة مفيدة أو معنى ذي معنى فلم أجد الا اللعنة على كذا والدعوة على تلك..!!

طيب ياسيدي..

أولا:- نحن في أحوج الاوقات الى من بقرب النفوس ويهدىء المشاعر ويحسس الجميع انهم على اختلاف تحزباتهم مستهدفون في النهاية بالتغول الاسرائيلي ولسنا بحاجة الى من يكفر ..وينفر.. ويثير نعرة ويتلذذ بنكىء الجراح وتوسيع الهوة بين الاخوة الاعداء..!!

ثانيا:- من بديهيات وأولويات المحاور الموضوعي أمام جمهور المشاهدين..أن يراعي في قصاقيصه وخراريفه التي يجمعها التوازن بين وجهات النظر ومراعاة أدنى حد من الاحترام لعقول المشاهدين بترك مساحة حرة لهم للتفكير والموازنة بعيدا عن الوجبات التعبوية الجاهزة وعدم التمترس في زاوية أوالانتصار الفاقع للون ..!! والضحك كما يفعل دلال الملابس القديمة على ذقون الناس بتوزيع الابتسامات والايماءات البلهاء والايمان الجوفاء..!!

ثم أنا والله..

لا أدرى.. الا تخجل الدكتوراه من صاحبها عندما يكون بوقا سيئا في السياسة وأيضا اللغة..فهو يرفع المنصوب ويجر المرفوع وينصب المجرور اللهم الا اذا كانت هذه دكتوراة لضمير مستتر ومن جامعة لا محل لها من الاعراب..؟!!

ثم لماذا تلك السكتا ت المفاجئات المتكررات في طيات كلامه المكرور..؟!!

الاجابة عندي.. لاني أعرف الخلفيةالغنية لهذا المدكتر في السياسة واللغة والتي لاتصلح الا للسباحة في رياض الاطفال..والتوقفات ماهي الا انقطاع عادي في تيار كهرباء الفكر الآحادي الضعيف ..!!

هذه النوعية من المتطفلين على الثقافة والسياسةتظهر عادة في أيام البلاء والمحن..تخربش على كثبان الايام ماشاء لها الله أن تخربش..الى تذروها رياح النسيان..

كثيرون هم من تطفلوا في تاريخنا على الادب والثقافة والفهم السياسي ولكنهم زالوا بزوال المؤثر وكأن شيئا لم يكن..!!

التطفل والتسلق.. موجود منذ قيام التاريخ السياسي الفلسطيني ..وخاصة هذه الايام في بحبوحة الانقسامات والانقلابات.. ويفرز في كل المجالات نماذجا تافهة ومضحكة ومؤسفة كهذا النموذج الذي نحن بصدده..فالتنظيمات المتنافرة تعلن عن حاجتها دوما الى التعاقد مع نماذج مسلوقة من الخطباء والشعراء وملاعين الوالدين ..!! بهدف التسويق لبضاعتها الراكدة و جذب أكبر عدد ممكن من الزبائن السذج ..!!

اسوق للقراء مثالا حيا على ذلك..

عندما سمح لجزءكبير من حجاج غزة بالمغادرة عبر معبر رفح.. روج أساطين الحال في غزة أن ذلك معجزة ومنة ربانية ولم يعلم الكثيرون أنهم انما غادروا الى فخ مموه مقابل صفقة شريط شاليط..!!

والآن الحجاج العائدون.. عالقون في انتظار معجزة.. أو صفقة ثانية..أو معبركرم أبو سالم!!

نحن نعيش فعلا في زمن المفارقات المضحكات المبكيات.. زمن الطارئين على الساحة ..!!

فربما من كان قبل أشهر معتكفا..زاهدا.. يلبس الجلابية البيضاء وينزوي في زاوية بعيدا يسبح في أجواء الدنيا الأخرة ..قد وجد نفسه فجأة مسئولا سياسيا مرموقا يتعطر بالعطور الباريسية ويلبس البدلة الافرنجية وربطة العنق الدنماركية ويتحدث بطلاقةتشريعية أو تنفيذية في كل شيء من أمور الدنيا الفانية ..!!

وربما من كان طوال عمره رعديدا ..سيء السيرة ..غير مؤتمن قد أصبح اليوم قائدا معظما في حراسة اسطول من المرافقين..!!

وربما ..

وربما..

أقول اننا صحونا ببساطة لنجد أن اللص المغرور قد انقلب عليه الحال ليأتي بمتشهي سلطة موتور..!!

وأقول ..أن هذا الوزير.. المذيع وأمثاله هو نتاج ظاهرة التفسخ والتشظي الفلسطيني الطارئة والتي قدمت وتقدم لاسرائيل كل ساعة فرصا مجانية لترسيخ وجودها فوق صدورنا وعلى طبق من ذهب..!!

نعم..

لابأس.. لنخسر كل شيء..القضية..والهوية ..ونكسب أمثال هذا النموذج اللاعن الملعون الذي يجيد اطلاق صواريخ الردح ويذكى كنافخ الكير نار الفتنة و يذكرنا بالحطيئة الشاعر الهجاء..فقد هجا كل شيء حوله حتى هيئته لم تنج من ذلك بعد أن لمحها صدفة في المرأة..

لذا فنصيحتي الى من يعرف صاحبنا أن يهديه مرأه ..لعله يرى قبح نفسه..!!

الخميس، ٢٠ ديسمبر ٢٠٠٧

خروف..وتخاريف

"الحمدلله الذي لم يخلقني خروفا"

عبارة قلتها حين شاهدت سوق بيع خراف العيد في طريقي الى غزة..ضحك من معي في السيارة ثم سادت لحظة صمت ..تأملت ماقلت..وجدتني أعيد النظر فيه وأبدأ بالسؤال..ولم لا أكون خروفا....؟!!

أليس هذا أشرف وأكرم من أن نكون ذئابا تنهش بعضها البعض حتى الموت..!!

وكلها على اختلاف انيابهافرائس سهلة للعنقاء العبرية..؟!!

أن أكون خروفا في هذا الزمن المر ..يضمن لي قبل الذبح تبنا وشعيرا كثيرا ممزوجا بالملح من التاجرالجشع لضمان زيادة وزني وبيعي بأكبر مبلغ ممكن من الدنانير أو الدولارات أو الشيكلات ..هذا عدا الجولات السياحية في المراعي للتحلية بالحشائش الطرية المنتوعة بعيدا عن هم الطحين والغاز وفواتير التليفون والكهرباء والسولار وتزايد ضنك من يعيشون الحصار حولي ويعانون من اغلاق المعابر ولا يجدون حتى الكوبونات ورغم ذلك يتسابقون في صراع كروي محموم بين فريقي هنية وعباس الذين لايهمهما سوى حصد أكبر عدد ممكن من النقاط في دوري المهرجانات..صحيح ان لي عقل خروف ولكني أعي مايدور حولي أكثر من اؤلئك المتأستذين وفطاحل الفتاوى السياسيةالذين يعملون بالريموت كونترول..!!

ولهذا .. فاني أرحب بمصيري على يد سكين جزار تنفيذا لقيمة التضحية الالهية ..ففي رأيي كخروف عيد ان نهايتي بهذه الطريقة هي أعظم من نهايات كثيرة للبشر حولي حيث يذبح الاخ أخيه والابن ابيه من أجل مخترة أوشيخة ..!!

استغرقت في الصورة.. فرأيت ان التاجر يقرر بيعي ويذهب بي السوق راكبا لانه يخشى على من التعب والارهاق..ياسلام على الانسانية ،وهناك يبدأ المساومات وحلف الايمان والصلاة على النبي وهو الذي لم أره يصلي منذ فتحت عيني على الدنيا وحرمني من الرضاع من امي التي باعها بعد ميلادي بعشرة أيام..!!

بعد ربع ساعة ..باعني التاجر فاقد الذمة الى رجل موسر من أهل الحكم وقبض المبلغ بالدولار فدسه في جيب البالطو الوسخ..وقال مبروك

أخذني الرجل راكبا ومعززا مكرما الى بيته..وهناك استقبلني الاطفال وداعبوني و حاولوا اضحاكي وصوروني عدة صور للذكرى.. ولكنى لم ابتسم فكيف أفعل ذلك وأنا سأغادر الدنيا بعد يومين..؟!!

كان المكان أكثر دفئا وأنسا فقد سمعت لاول مرة أخبار الجزيرة وأناشيد الاقصى وبكيت لما سمعت أغنية حزينة عن الغربة والاسر ولكني فوجئت عندما سمعت اغنية خاصة للخراف أمثالي..!!

سمعت أيضا شيئا عجبا عن امام سبئي من أئمة هذا الزمن رفض أن يصلي على شهيدين.. أي والله شهيدين..!! بدعوى انهمامن فئة غير الفئة ومن لون غير اللون..!!

تصوروا..الى هذه الدرجة من التوحش والتبلد وضياع الدنيا والدين وصل البشر..

كنت أحس بطعم كل لحظة تمر ..في هذا العز وقبل أن اساق الى مصيري

وفي ليلة العيد ..سهرت حتى الصباح وفكرت في حكمة ان نكون نحن معشر الانعام الضحية عن بشر يضحون ببعضهم البعض ويجيدون فقط لعبة النعي والتأبين..!!

انها حكمة الخالق وأنا مؤمن بالله..ومايعزيني انني كخروف ذاهب مباشرة الى الجنة دون واسطة لأني لم اسيء لأحد ولم أكذب على أحد ولم أسرق مال أحد..صفحتي بيضاء..

كحمام مكة بينما سيصلى معظم الذابحين والمذبوحين بنار جهنم لأنهم اقتتلوا على الباطل بالباطل..!!

 

قبل لحظات من موعد الذبح جاء "أبو الحسن" من صلاة العيد وبرفقته جزار محترف ..

ايقنت لحظتها ان ساعتي قد دنت.. قرأت الفاتحة..ودعوت الله ان يخفف عنى صدمة الموت..سمعت كما الحلم زوجة صاحب البيت.. توصي زوجها بلهجة أمرة ان لايفرط بالكبد والكلاوي وحتى الكرشة وثلثي الضحية لانها ستخبئها في الثلاجة الكبيرة..فاللحمة طار سعرها الى 50شيكل للكيلو ..

كانت ضحكتي الاخيرة قبل أن أرفض بصمت الشرب من الجردل الاسود شربتي الاخيرة..

وهنا أمسك بي الجزار وداعبني بيده الجافة قليلا..وعيني على سكينه الفضي الحاد..

بكى الطفل الصغير..فأخذوه بعيدا..هتف الجزار العبوس :الله أكبر

كانت قرصةعميقةسرعان ماتحولت الى احتراق كبير واختناق في الرقبة فظيع..سائل لزج يتدفق..برودةسريعةتسرى ..ترتعش اطرافي..أصعد في غيبوبة بيضاء..ارى امي تمد يديها الي سعيدة..مرحبة..

أحسستني في صعودي المسيح ويوسف واسماعيل معا..سعادة مابعدها سعادة أني غادرت ذلك العالم الضيق المتهالك الى فضاء الديمومة والصفاء..!!

هنا ايقطنى ركاب السيارة من سرحاني البعيد.. فضحكت بصوت مكتوم..ونزلت

بينما زعيق المذيع المنتصر..يعلن سقوط 12 ضحيةفلسطينية في 24 ساعة فقط..!!

ومن المقاومة ماقتل

 المقاومة..هذا اللفظ الجميل والمعنى النبيل ..هو أفضل ماقدمه الشعب الفلسطيني للتاريخ وللعالم الذي لم يشرق عليه العدل بعد..!! 


المقاومة.. اشرف ظاهرة يلجأ اليها المقهورون للتعبيرعن رفضهم لسلب حقوقهم بقوة الباطل.. المقاومة أو بمسماها الاسلامي الجهاد..دم قان لايستطيع كائن من كان أن يزايد عليه أو يطعن في شرعيته كفريضة غائبة أو يشكك في رسالته والايمان به يعادل في رأيي الايمان بالله،

 الشهداء الشهداء هم رسل قضية في مكانة الصديقين لايرقى اليهم الا أمثالهم..!!

 ومع ذلك فان هذاالرمز العظيم شأنه شأن كل شيء طاهر ونقي قد تسلقته الطفيليات وطاله العفن وتمسحت له الاكاذيب منذ زمن طويل..!! بل وأصبح وسيلة للتجارة والارتزاق ،وأحيانا لعبة في يد البعض لكسب موقف أو تأييد..!! 

واسوق للقراء بعض الصور راجيا تأملهابما تستحق وعدم استسهال التسرع في الحكم بالايجاب أو السلب. 
في السبعينيات من القرن المنصرم اجهضت اسرائيل العديدمن عمليات المقاومة وكانت تنتظر المقاومين وتتصيدهم وهي تعرف عددهم وعتادهم وتموينهم وكل ذلك بفضل عيون الغواية مثل"أمينة المفتي "المغتربة العربية الجميلة التي تأسرلت وأرسلها الموساد الى جمهورية الفاكهاني وهناك دخلت بانوثتها مخادع القادة بل وتصنتت على هواتفهم أربع سنوات كاملة قبل أن ينكشف أمرها. 

في الثمانينات من نفس القرن أصيب أحد قادة النضال بالسكتة القلبية فوق ربوة من الجبنة البلغارية فنعته كل الفصائل شهيدا سقط في معركة الشرف والوطن..!! 

في التسعينات من نفس القرن أيضا سقط أحد أبرز المقاومين برصاص أحد زملائه خطأ بعد ممازحة مصورة بالفيديو وفي اليوم التالي نعاه التنظيم في بلاغ عسكري شهيدا بعد معركة بطولية في منطقة كذا قتل وجرح فيها كذا من جنود الصهاينة ..!! 

أما في هذا القرن فالصور مختلفة قليلا..فقدانهار نفق على مهرب معروف فنعاه فصيله على الفور واحتسبه شهيدا وشيعه بالاناشيد والرايات..!! 
في هذ القرن..سقط مقاتلون لفصيل في معركة داخلية.. فوضعهم في الثلاجاث الى أن تيسر له تقديمهم للعامة والدهماء شهداء وأي شهداء..!!
 وفي هذا القرن أيضا..حدث ويحدث فيلم مضحك مبكي .. انتجه وأخرجه ويكرره الحال الفلسطيني، أقدمه هنا بدون مونتاج..!! عبد الله ..بهلول يتيم الابوين في العقد الثاني من عمره.. لايعرف في الدنيا الا عبوس زوجة أخيه.. ذهب بالامر في الصباح الباكر ليشتري صحن فول.. فأصابته في مقتل رصاصة احتياح مفاجىء.. وصلت الجثة الى المستشفى وانتشر الخبركالنار في الهشيم ..
وانتفضت الحارة لتعد بيت العزاء.. وهنا دب التصايح والزعيق والشد والرخي قبل أن يصل جثمان عبد الله الى البيت ..!!
 مالذي جرى ياترى..؟!! 
التنظيمات تختلف بشدة حول الشهادة التي مات عليها عبدالله..!! 
هذا الفصيل يؤكد بالبراهين والادلة أن الشهيد ابنه منذ الصغر وتربى في مسجد فلان و على تعاليم الامام علان ...و...و...!! وذاك الفصيل يحلف بالايمان المغلظة أن عبد الله فطم نفسه على لون رايته ولم يكن يلبس أو يأكل الا مايوافق هذا اللون..!!

وفصيل ثالث ..يفند ادعاءات الفصيلين السابقين ويأتي بأدلته التي تؤكد أن عبدالله كان المنظر الاول للحزب وصاحب منهج معروف في المقاومة..!!

فصيل رابع..تدخل في اللحظة الاخيرة وأكد أن عبد الله هو مهندس العبوات الناسفةلديه والمسئول عن العديد من العمليات البطوليه الناجحة..!!

استمر الهرج والمرج بين الألوان.. أيها تستأثر بالغنيمة.. فالدولارات جاهزة والدنانير حاضرة..!! لكل مايتطلبه العزاء وأهل الشهيد..!!

في النهاية حسم الاخ هوية أخيه الاستشهادية وكفنه باللون الذي يريد.. وقال للمعزين..هذا لون أخي..و"اللي مش عاجنه يروح"..!!

غادر أكثر من نصف المعزين المكان.. وأقاموا على مقربة بيت عزاء آخر وبلون أخر..!!

همست بسؤال المارة لنفسي :لماذا لايكون العزاء فلسطينياخالصا..؟!! الا يكفي ذلك..؟!!

الليلة الماضية حلمت بعبد الله ذاهبا ليشتري صحن فول فاستوقفته وسألته :ياعبد..هل انتميت لأي تنظيم ..؟!! فما كان منه الا أن ضحك الى أن اغرورقت عيناه بالدموع وقال :أنا عبدالله ..عبدالله وبس ..يا أستاذ..!!

نعم ..ان أحداث الفيلم شديدة الخصوصية والواقعية حدثت ويحدث أكثر منها باسم أطهر واشرف ظاهرة..!!

يخطر في بالي الآن كيف كانت الانتفاضات الفلسطينية تبدأ ثم للاسف تنحرف البوصلة وتعمى الابصار بالغرور والانانيات فتقاوم بنادق المقاومة نفسها..!!

لقد كنت دائما وسأكون ابدا مع المقاومة الفلسطينية وهي في أشد محنها ولم أكن يوما مع المقاومة التجارية المسيسة لكسب هذا الفصيل أو ذاك والتي تكلفنا غالبا أثمانا باهظا وبالمجان..!!

وفي النهايةاترك للقاريء أن يتذوق ما قرأ مع فنجان من القهوة السادة وعلى مهل.

الاثنين، ١٠ ديسمبر ٢٠٠٧

اعدام غزة

رويدا.. رويدا تقوم اسرائيل وبدعم أمريكي صرف وتواطؤ رسمي عربي واسلامي وموات شعبي عام.. بتنفيذ عملية اعدام بطيء لغزة تماما كتلك التي قامت بها قبل عامين للمرحوم "ابو عمار"..!!

بدأت العملية تدخل في الجد منذ الصيف وبعد دخولنا في صفين جديدة بين "آل عباس" و"بني حماس" فمهد ذلك الطريق واسعا لتستهملنا اسرائيل أكثر فأكثر.. وأخذت تعطينا الطحين بالحفنة والسكر بالملعقة وأخيرا السولار بالقطارة..!!

الحياة.. هنا بعيدا عن ابتسامات "ابومازن" وتطمينات "هنية" شبه متوقفة،فالسيارات تعطلت والمصالح تمزقت والرؤى تشوشت والخطط تأجلت.. وبدأ البكاء الممزوج بالأنين يرتفع الى درجة الصراخ من المشافي مع وداع كل مريض آثر السفر الى الدار الآخرة طلبا لرحمة رب العباد قنوطا من رحمة العبد للعبد..!!

غزة الفقراء تبدو الآن في الصورة نحيلة متهالكة كطفل افريقي يصارع المجاعة.. ضعيفة مصفرة كمريض يائس ينتظر دورة في طابور غسيل الكلى.. حزينة مشدوهة كأرملة فقدت ابنيها دفعة واحدة..!!

غزة الفقراء.. تغرق في مجاري وزبالة ومياه ملوثة.. وتصارع من أجل البقاء واقفة.. وأطفالها بعد تبخر الكوبونات أو تخصيصها للاتباع والمريدين فقط..!! يبحثون عن طعام أو أي شىء يباع في أكوام النفايات..!!

بينما غزة الامراء والاغنياء لاتزال بخير ..سمينة.. مدللة.. مرفهة.. فكل ما تريد يصلها عبر الانفاق وما أدراك ما الانفاق.. سبحان مقسم الارزاق ..!!

غزة الامراء والاغنياء ينحصر جل همها الآن في الفوز بمسابقة الرابح الاكبر من خلال حشد أكبر عدد ممكن في مهرجان مسيس..!!

اسرائيل تتصيد الشباب هنا وهناك كما يتصيد الصياد المحترف عصافيرالحاكورة.. وغزة تودع كل يوم أبناء لها.. والدم ينادي الجميع: عيب ..كفى.. فلينزل كل منكم عن شجرة لاءاته.. ولتلتقوا أيها الثيران..!! على مواجهة القادم قبل أن يجهز عليكم..!!
لن تجدينا في هذه المحنة الافواه الكبيرة التي تخون وتلعن وتتوعد . ولن ينفعنا دعاة الفتنة المحرضين على التمزق والاختلاف.. وانما نحن بحاجة فقط الى من يقرب النفوس ومن يخلص لله ثم الوطن..!!

اننا مقبلون بكل تواضع وشفافية على كارثة حقيقية ان استمر الوضع على ماهو عليه اسابيع بل أياما وان لم يتحرك ذوو الضمائرالانسانية الحية في العالم..!!

والآن بت أصدق ما قرأته قبل أيام عن وصول 25000 كفن بلاستيكي أسود بسحاب حسب الموضة.. محكم الاغلاق الى غزة رغم الحصار الخانق وكأن العالم المتمدين يحرص مشكورا على رعاية دفن أطفالنا بطريقة لائقة وأفضل مما جرى ذات يوم لأطفال صبرا وشاتيلا!!

لم يعد يهمنا معرفة طريقة الموت التي يفضلها لنا واضعوا الخطط الاستراتيجية الامريكية والاسرائيلية سواء كانت الخنق أو الخرق.. فقط مايعنينا الآن هو التأمل بحسرة لهذا الهمود العربي والاسلامي وهذا التمزق التافه بين الاخوة ونحن نعاني..!! وكأن المعتصم تحول الى نكتة باردة غير مضحكة..!!

ترى كيف سيكون حال النخوة العربية والاسلامية لو أطلقت هيفاء وهبي في حفل زاخر صرخة راقصة.. واعرباه.. واسلاماه..؟!!

لن أطلق نداء استغاثة كما قد يتصور البعض وانما هو تحذير من محاصر بأن الكارثة ان تحققت لن تكون بحال حصرية على غزة ويجب على اسرائيل أن تتسلح قليلا بذكائها كما تتسلح بترسانتها الحربية وتعي أن المجاري الاوبئة المتطورة والمنتجة في غزة ان تدفقت الى البحر ستسبب في ساعات أشد الضرر للمجدل وحتى تل أبيب فالجراثيم والفيروسات الفتاكة لا تعترف بجدار فصل عنصري أو حواجز عسكرية وستبدو اسرائيل عند ذلك كالجار الغبي الذي يقضي حاجته خلف منزله..!!

أما بالنسبة للعرب العاربة والمستعربة ممن يدينون بالولاء لأمريكا ولغيرها فانني اتحدى أن يجاهر أي منهم بعروبته وهو يرى ما يرى في مسلسل غزة اليومي الذي يبث عبر الفضائيات أو يجاهر أي داعية بورعه وتقواه وهو يبذر الفتاوى عن جواز الصلاة أمام سحلية أو يحدد بالضبط عدد الملائكة على رأس دبوس بينما يرى بعينيه أطفالا مسلمين في كمد وفاقة مكتفيا بتلاوة رخيمة وصحيحة للفاتحة والترحم على الضحايا القادمة..!!

لقد أضاع عرب طوائف الأمس باحنهم وخلافاتهم الاندلس وغرناطة من قبل..

وها هي القدس تتسرب من بين ايدي طوائف اليوم مع احترامي للظاهرة الصوتية التي يقودها بصدق الشيخ رائد صلاح..!!

ومع ذلك يستحكم بأولياء امورنا الغباء أمام دروس التاريخ وعبره..

أن ضياع أي شيء.. من أرضنا وحقوقنا ليس بالمطلق مسؤولية فرد بعينه نتهمه بالتفريط أو التقصير وكفى الله المؤمنين شر القتال وانما هو مسؤوليتنا جميعا بممارساتنا الانانية المتنافرة.. وهذه حقيقة يجب أن يعيها الموافق والمعارض على السواء.

فمن يطعن احلامنا في الخاصرة اليمنى لا يختلف بحال عمن يطعنها في الخاصرة اليسرى..!!

ومع ذلك فان غزة الوفية لابنائها العصية على أعدائها.. لن تضيع.. ولن تموت..

لن تضيع ولو تواطأ كل العالم على ذلك وجعلها أمثولة وعبرة لمن يعتبر.. لانها جربت في الماضي ماهو أعتى وأقسى ونجت..!!

ولن تموت.. لأن الله يريدها أن تعيش لمستقبل أطفالها ويعوضها عن معاناة تسبب فيها أعداؤها وبعض بنيها المارقين الذين أرادواها لانفسهم غنيمة حرب..!!

ليس هذا من باب الشعارات التي يطلقها البعض للكسب السياسي والتسكين وانما من باب الايمان بالله والتوكل عليه والثقة برحمته..

اللهم انا نستعين بك ونتوكل عليك.. فارحمنا.. انك خير  الراحمين..