الخميس، ٢٠ ديسمبر ٢٠٠٧

خروف..وتخاريف

"الحمدلله الذي لم يخلقني خروفا"

عبارة قلتها حين شاهدت سوق بيع خراف العيد في طريقي الى غزة..ضحك من معي في السيارة ثم سادت لحظة صمت ..تأملت ماقلت..وجدتني أعيد النظر فيه وأبدأ بالسؤال..ولم لا أكون خروفا....؟!!

أليس هذا أشرف وأكرم من أن نكون ذئابا تنهش بعضها البعض حتى الموت..!!

وكلها على اختلاف انيابهافرائس سهلة للعنقاء العبرية..؟!!

أن أكون خروفا في هذا الزمن المر ..يضمن لي قبل الذبح تبنا وشعيرا كثيرا ممزوجا بالملح من التاجرالجشع لضمان زيادة وزني وبيعي بأكبر مبلغ ممكن من الدنانير أو الدولارات أو الشيكلات ..هذا عدا الجولات السياحية في المراعي للتحلية بالحشائش الطرية المنتوعة بعيدا عن هم الطحين والغاز وفواتير التليفون والكهرباء والسولار وتزايد ضنك من يعيشون الحصار حولي ويعانون من اغلاق المعابر ولا يجدون حتى الكوبونات ورغم ذلك يتسابقون في صراع كروي محموم بين فريقي هنية وعباس الذين لايهمهما سوى حصد أكبر عدد ممكن من النقاط في دوري المهرجانات..صحيح ان لي عقل خروف ولكني أعي مايدور حولي أكثر من اؤلئك المتأستذين وفطاحل الفتاوى السياسيةالذين يعملون بالريموت كونترول..!!

ولهذا .. فاني أرحب بمصيري على يد سكين جزار تنفيذا لقيمة التضحية الالهية ..ففي رأيي كخروف عيد ان نهايتي بهذه الطريقة هي أعظم من نهايات كثيرة للبشر حولي حيث يذبح الاخ أخيه والابن ابيه من أجل مخترة أوشيخة ..!!

استغرقت في الصورة.. فرأيت ان التاجر يقرر بيعي ويذهب بي السوق راكبا لانه يخشى على من التعب والارهاق..ياسلام على الانسانية ،وهناك يبدأ المساومات وحلف الايمان والصلاة على النبي وهو الذي لم أره يصلي منذ فتحت عيني على الدنيا وحرمني من الرضاع من امي التي باعها بعد ميلادي بعشرة أيام..!!

بعد ربع ساعة ..باعني التاجر فاقد الذمة الى رجل موسر من أهل الحكم وقبض المبلغ بالدولار فدسه في جيب البالطو الوسخ..وقال مبروك

أخذني الرجل راكبا ومعززا مكرما الى بيته..وهناك استقبلني الاطفال وداعبوني و حاولوا اضحاكي وصوروني عدة صور للذكرى.. ولكنى لم ابتسم فكيف أفعل ذلك وأنا سأغادر الدنيا بعد يومين..؟!!

كان المكان أكثر دفئا وأنسا فقد سمعت لاول مرة أخبار الجزيرة وأناشيد الاقصى وبكيت لما سمعت أغنية حزينة عن الغربة والاسر ولكني فوجئت عندما سمعت اغنية خاصة للخراف أمثالي..!!

سمعت أيضا شيئا عجبا عن امام سبئي من أئمة هذا الزمن رفض أن يصلي على شهيدين.. أي والله شهيدين..!! بدعوى انهمامن فئة غير الفئة ومن لون غير اللون..!!

تصوروا..الى هذه الدرجة من التوحش والتبلد وضياع الدنيا والدين وصل البشر..

كنت أحس بطعم كل لحظة تمر ..في هذا العز وقبل أن اساق الى مصيري

وفي ليلة العيد ..سهرت حتى الصباح وفكرت في حكمة ان نكون نحن معشر الانعام الضحية عن بشر يضحون ببعضهم البعض ويجيدون فقط لعبة النعي والتأبين..!!

انها حكمة الخالق وأنا مؤمن بالله..ومايعزيني انني كخروف ذاهب مباشرة الى الجنة دون واسطة لأني لم اسيء لأحد ولم أكذب على أحد ولم أسرق مال أحد..صفحتي بيضاء..

كحمام مكة بينما سيصلى معظم الذابحين والمذبوحين بنار جهنم لأنهم اقتتلوا على الباطل بالباطل..!!

 

قبل لحظات من موعد الذبح جاء "أبو الحسن" من صلاة العيد وبرفقته جزار محترف ..

ايقنت لحظتها ان ساعتي قد دنت.. قرأت الفاتحة..ودعوت الله ان يخفف عنى صدمة الموت..سمعت كما الحلم زوجة صاحب البيت.. توصي زوجها بلهجة أمرة ان لايفرط بالكبد والكلاوي وحتى الكرشة وثلثي الضحية لانها ستخبئها في الثلاجة الكبيرة..فاللحمة طار سعرها الى 50شيكل للكيلو ..

كانت ضحكتي الاخيرة قبل أن أرفض بصمت الشرب من الجردل الاسود شربتي الاخيرة..

وهنا أمسك بي الجزار وداعبني بيده الجافة قليلا..وعيني على سكينه الفضي الحاد..

بكى الطفل الصغير..فأخذوه بعيدا..هتف الجزار العبوس :الله أكبر

كانت قرصةعميقةسرعان ماتحولت الى احتراق كبير واختناق في الرقبة فظيع..سائل لزج يتدفق..برودةسريعةتسرى ..ترتعش اطرافي..أصعد في غيبوبة بيضاء..ارى امي تمد يديها الي سعيدة..مرحبة..

أحسستني في صعودي المسيح ويوسف واسماعيل معا..سعادة مابعدها سعادة أني غادرت ذلك العالم الضيق المتهالك الى فضاء الديمومة والصفاء..!!

هنا ايقطنى ركاب السيارة من سرحاني البعيد.. فضحكت بصوت مكتوم..ونزلت

بينما زعيق المذيع المنتصر..يعلن سقوط 12 ضحيةفلسطينية في 24 ساعة فقط..!!

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية